بعد حديث وزير المالية عن نية الانضمام.. ماهي دول “البريكس” وهل تمتلك سوريا المقومات؟
أعلن وزير المالية كنان ياغي مؤخراً على هامش مشاركته ممثلاً لسورية في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الذي انعقد في روسيا، أنّ دمشق تعتزم التقدم بطلب الانضمام إلى تكتل “بريكس”، ومنظمة “شنغهاي”.
ويأتي تصريح ياغي في وقت تصطف فيه 19 دولة (تمتلك اقتصاديات رائدة على مستوى المنطقة)، على لائحة الانتظار للحصول على موافقة الانضمام للتكتل الذي أًصبح من التكتلات الاقتصادية القوية على المستوى العالمي، فما هي أهمية ومتطلبات الانضمام إلى الـ “بريكس”؟ وهل سوريا قادرة حالياً على تلبيتها؟ أم أنّ المسألة لها دلالاتها الأخرى؟
ما هي الـ “البريكس”؟
تعود بدايات الحديث عن الـ “بريكس” إلى عام 2005، لكن بعد قمة رؤساء “البرازيل، روسيا، الهند، الصين”، في يكاترينبورغ بروسيا عام 2009 أُعلن عن تأسيس منتدى (البريك – BRIC) والذي جاء بمثابة إعلان رسمي عن تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب، وبعد انضمام جنوب أفريقيا إليه عام 2010 تم تعديل اسمه ليصبح (البريك – BRICS) وهو يضم خمسة دول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم.
يبلغ عدد سكان دول الـ “بريكس” نحو 40% من سكان العالم، ومساحتها تمثل 26% من مساحة اليابسة، وفي عام 2020 بلغت نسبة مساهمة دول بريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي 27%، بينما تفوقت لأول مرة العام الفائت على دول مجموعة السبع الأكثر تقدماً في العالم، وذلك بعد أن وصلت مساهمة الـ “بريكس” إلى 31.5% في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7% للقوى السبع الصناعية.
وفي هذا الإطار يؤكّد أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عدنان سليمان في تصريح لـ”أثر”، أنّ “الدول المؤسسة للتكتل، لديها طموح في أن تكون تكتل اقتصادي كبير وفاعل على مستوى التجارة العالمية، وأن تحتل حيزاً كبيراً فهي تمتلك 25% من حجم التجارة العالمية، وتسعى لأن تفرض عملتها في التداول والتبادل التجاري الدولي، للتخفيف من هيمنة الدولار على المستوى العالمي في التجارة الدولية، وأن تصبح هذه العملة هي عملة لتقييم التبادلات فيما بينها”.
لماذا ترغب الدول بالانضمام لـ“بريكس”؟
قبل إعلان سوريا رغبتها للانضمام للتكتل، أعلنت مجموعة البريكس في 25 نيسان الفائت، أن “13 دولة طلبت رسمياً الانضمام، وطلبت 6 دول أخرى بشكل غير رسمي، بحسب ما قاله أنيل سوكلال، سفير جنوب أفريقيا لدى “بريكس” في تصريحات صحفية مسبقة.
وفي هذا السياق، يعيد الدكتور سليمان أسباب تزايد عدد الدول التي ترغب بالانضمام إلى التكتل كون الـ “بريكس” تعتبر “تكتل غير استعماري وغير إمبريالي ولا يفرض شروط الاستغلال كما هي السياسة الأمريكية وكل علاقاتها على مستوى الاقتصاد العالمي، وكونه يحقق مزايا في الاستثمار والتبادل الدولي والحد من هيمنة الدولار على التجارة الدولية”.
وفي هذا الإطار، تتفق د. نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة مع د. سليمان، حيث تعتبر الشيخ وفقاً لوكالة أنباء “شينخوا” الصينية، أنّ “التكتل يعد من أكثر التجمعات الدولية جاذبية كونه يوفر فرصاً تنموية حقيقية لأعضائه وعلى أساس متكافئ، خلافاً لمؤسسات المالية الدولية التي أغرقت الكثير من الدول في الديون وأرهقتها بـ “المشروطية”، وكونه يقدم فرصاً تنموية على أساس الشراكة والنمو، على نقيض المساعدات الغربية المشروطة سياسياً واقتصادياً”.
وما يزيد أهمية الـ “بريكس” أنها تضم ثلاثة دول نووية وهي (الصين، روسيا، الهند)، وهناك دولتان عضوان دائمان في مجلس الأمن (روسيا والصين)، أضف إلى ذلك، هي أنظمة سياسية لا تربطها الجغرافيا ولا التاريخ ولا اللغة ولا الأيديولوجيا، وتتعاون فيما بينها مشكّلة قوة اقتصادية ناشئة.
هل تمتلك سوريا متطلبات الانضمام؟
سبقت سوريا دول عدّة قدمت طلبات للانضمام للتكتل، ومنها السعودية والجزائر وإيران والبحرين، إلا أنّ الفروقات بين سوريا وهذه الدول على مستوى المؤشرات الاقتصادية الكلية كبيرة جداً، رغم ذلك، لم تحصل هذه الدول بعد على موافقة الدول الخمس المؤسسة للتكتل، وهنا يؤكّد أستاذ الاقتصاد، أنّ متطلبات الدخول إلى بريكس إلى حد ما صعبة، فهي تتطلب أن يكون اقتصاد الدولة قوياً ولديها فائض في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ولديها رقم صادرات كبير جداً وناتج محلي إجمالي عالٍ، إضافة إلى موافقة كل دولة من الدول الخمس لوحدها منفردة على قبول عضوية الدولة الطالبة للانضمام”.
وحول أهمية تقديم سوريا لطلب الانضمام إلى التكتل، ومدى توافر الفرصة لنجاح ذلك. قال سليمان: “إن تتقدم سوريا بطلب الانضمام هو أمر مشروع، وضروري، ومستقبلي، لكنه يحتاج إلى خطوات كبيرة جداً”، مبيناً أنّ “طبيعة الوضع الاقتصادي الآن لا تحقق شروط الانضمام”.
وتعقيباً على مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي في سوريا كونها شروط للانضمام قال: “لدينا معدل نمو اقتصادي متواضع جداً، وناتج محلي إجمالي لا يتجاوز 30 مليار دولار بعد 12 سنة من الحرب والدمار الاقتصادي، لدينا عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، الصادرات في الحدود الدنيا، وبالتالي من الصعب أن تتحقق هذه الشروط في المدى المنظور”.
ومقارنة بين الانضمام إلى الـ “بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون، يميل أستاذ الاقتصاد أنّ ضرورة أن يكون هناك توجه “للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كونها فضاء جيوسياسي وأمني وشروط الانضمام إليه أقل حدّة”، إلا أنّ الانضمام إلى بريكس رغم ضرورته وأنه يقدم فوائد هائلة في التنمية والاستثمار، لكن برأي د. سليمان، “يحتاج إلى مدى زمني طويل واشتغال على مؤشرات الاقتصاد الكلي على المدى المنظور والمتوسط والطويل”.
بنك التنمية الجديد يقدم قروض بفوائد منخفضة وتسهيلات ميسرة
يرى أستاذ الاقتصاد أنّ توجه سوريا حالياً للانضمام إلى بنك التنمية الجديد التابع لتكتل بريكس هو أسهل ونقطة أساسية لدخول التكتل لاحقاً، وقال: “منذ الآن تستطيع سوريا أن تنظم إلى بنك التنمية الجديد التابع لـبريكس كون شروط الانضمام له أسهل بكثير، ويقدم فائدة لسوريا مباشرة، ولديه احتياطي يبلغ 100 مليار دولار جاهزة للإقراض في مجال البنية التحتية والتنمية والتعاون بين الدول”، مضيفاً: “إذا استطعنا الانضمام البنك هنالك فرص للحصول على تعاون، ومساعدة، وعلى قروض للمساهمة في إعادة الإعمار”.
ويرى سليمان أنّ أهم ما يمكن أن تستفيده سوريا من بنك التنمية، هو أنه “غير معني بالعقوبات المفروضة عليها، لأنه طالما أن الدول المشكلة للبنك مقتنعة بالإقراض للمساهمة في إعادة الإعمار، فهو يستطيع أن يقرض، وهو غير معني بالقيود المفروضة على سوريا من حيث العقوبات الاقتصادية، وهو يعد فرصة لمسألة البدء بإعادة الإعمار، ويقدم قروض بفوائد منخفضة جداً، وبتسهيلات ميسرة”، مشيراً إلى أنّ المشكلة الوحيدة لدى البنك هي حجم الاحتياطي المحدود الجاهز للإقراض والذي يصل بحدود 100 مليار دولار، لكن يمكن أن يسهم بجانب من إعادة الإعمار”.
وختم سليمان بالتأكيد على أن “سوريا تملك مقومات جيوسياسية كبيرة جداً بحكم موقعها بين قارات ثلاث، وكل الصراع على سوريا هو صراع جيوسياسي على الموقع والدور والموارد الاقتصادية الكبيرة التي كانت موجودة في سوريا، مبيناً أنّ علاقات سوريا الاستراتيجية مع روسيا وإيران والصين والآن مناخ الانفتاح العربي، كله عامل سياسي إيجابي يخدم سوريا في الانضمام إلى هذا الكتل إلا أنّ الخطوة الأولى لذلك هي العمل على تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، بالتوازي مع ذلك، سعي سوريا للانضمام إلى بنك التنمية الجديد كنقطة أساسية وبداية للانضمام إلى التكتل لاحقاً، لأن مسألة الانضمام تحتاج إلى ـمراحل، فعندما تقدم دولة ما طلب الانضمام يسمح لها أن تكون عضو مراقب، ثم شريك في الحوار الاستراتيجي في المجموعة، بمعنى أنّ الانضمام يحتاج إلى سنوات”.
أثر برس