طريق الحرير سيمر حتما من سورية!!
لايمكن فصل “الدورة الـ 18 لمنتدى التعاون العربي ـ الصيني” التي انعقدت بمشاركة سورية يوم 29/5/2023 في مدينة تشينغدو في جمهورية الصين الشعبية عن التطورات السياسية والإقتصادية التي شهدتها المنطقة في الأشهر الأخيرة، وخاصة بين الصين وكل من إيران والسعودية، والتي محورها تفعيل مبادرة الصين لطريق الحرير الجديد (الحزام والطريق: طريق واحد حزام واحد).
وتنظر الصين بارتياح شديد لاستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، لأن سورية مثلما كانت ممرا إلزاميا لطريق الحرير التاريخي، فهي ممر إلزامي أيضا لطريق الحرير الجديد بنسخته الصينية التي تشمل معظم دول العالم.
وبات مألوفا مشاركة سورية بفعالية في جميع الملتقيات والمنتديات الإقتصادية التي تطلقها وتشرف عليها الصين لتفعيل مبادرة طريق الحرير وآخرها “الدورة 18 لمنتدى التعاون العربي ـ الصيني” والتي كان أهم الموضوعات التي ناقشتها مبادرة الحزام والطريق.
وعندما تشدد الصين في هذه الدورة على ضرورة الالتزام بالحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، ورفض الاعتداء على أراضيها، وترحب بعودتها إلى جامعة الدول العربية، فإنها تفعل ذلك لأهمية وموقع سورية في مبادرة طريق الحرير.
ولم توفّر سورية مناسبة في إطار علاقاتها التاريخية مع الصين إلا وحرصت على “تأييدها بشكل تام كل المبادرات الصينية العالمية وأبرزها الحزام والطريق”، وتعلن سورية دائما كما فعلت في الدورة الـ 18 لمنتدى التعاون العربي ـ الصيني عن سعيها لأن “يكون انخراطها في هذه المبادرات فاعلاً”.
لقد كشفت الحروب والتوترات والإضطرابات في الكثير من دول العالم انها مفتعلة ومن فعل أمريكي، وليس مصادفة انها تقع جميعها تقريبا على طريق الحرير التي بدأت الصين بتنفيذه عام 2013 ورصدت له أكثر من تريليون دولار.
وبما أن أمريكا تعرف جيدا أن لاطريق للحرير دون المرور بدول المنطقة وبخاصة إيران والعراق وسورية فلبنان ، وتعرف أكثر أن نجاح هذا المشروع يعني تحرير التجارة الدولية من الهيمنة الأمريكية بالضربة الإقتصادية القاضية.. فإن وجودها العسكري المباشر في كل من العراق وسورية، وزيادة هذا الوجود في الأردن هو بهدف منع وصول طريق الحرير إلى هذه الدول.
كما ان انتقال خطط أمريكا إلى جنوب شرق آسيا لإشعال النزاعات بين دوله هدفه أيضا إشغال الصين وإرغامها على التخلي عن مشروعها طريق الحرير.
وبما ان طريق الحرير سيمر حتما من سورية أو بعبارة أكثر دقة “لاطريق للحرير دون سورية” بحكم موقعها الجغرافي الذي تشغله منذ قرون طويلة .. فإن الإستفادة منه يتطلب استعدادات لوجستية كبيرة ، لذا أعربت الصين في جميع المناسبات عن رغبتها بالمساهمة المباشرة في تأسيس وإعادة تأهيل البنية التحتية لطريق الحرير (طرق برية وسكك حديدية ومرافئ..الخ) ، بل أن عدة تقارير كشفت بأن الصين ستتحمل الحزء الأكبر من إعمار سورية بحكم قوتها الإقتصادية وعزمها على جعل طريق الحرير أمرا واقعا!
وسبق لوزارة النقل أن كشفت عن دراسة تتضمن رؤية خاصة لتوسيع مرفأ اللاذقية وإنشاء مرفأ جديد في المرحلة القادمة، كما طرحت مشاريع تطوير الطرق الرئيسية في سورية من أبرزها الطريق السريع الأول (شمال- جنوب) الذي سيمتد من الحدود التركية حتى الحدود الأردنية، والطريق السريع الثاني (شرق - غرب) من طرطوس حتى الحدود العراقية .
ونشير إلى أن مشروع الربط السككي بين سورية والعراق وإيران هو مشروع قديم واستراتيجي لكنه توقف خلال الحرب على سورية، وتناقش الدول الثلاث وضع الرؤية لإعادة العمل في هذا المشروع الذي سيربط الموانئ السورية مع العراق وإيران.
وهناك أيضا اتفاقية بين سورية والعراق للربط السككي بين البلدين عن طريق منطقة التنف، حيث يبلغ طوله في الأراضي السورية 156 كم وفي الأراضي العراقية بحدود 160 كم، لكن الإحتلال الأمريكي يمنع تنفيذ هذه الإتفاقية!
لقد تحدث الكاتب الفرنسي تييري ميسان في مقالة له عن أهمية السكك الحديدية في طريق الحرير وقال : “يتوقف مستقبل سورية على إعادة ارتباطها بماضيها، حين كانت نقطة عبور إلزامية بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وحين كان طريق الحرير في العصور الغابرة يبدأ من العاصمة الصينية القديمة شيان، وينتهي في كل من أنطاكية وصور، واستمرت سورية عبر تلك القرون في كونها نقطة عبور بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وكان ذلك أحد عوامل ازدهارها”.
ونشير في هذا السياق إلى مقال نشرته جريدة الإندبندت في 30/4/2019 بعنوان (التنين الصيني يعود إلى سورية عبر طريق الحرير) قالت فيه :
“أن الصين تراقب التطورات الحاصلة في سورية بعين سياسية وأخرى اقتصادية، وتتأهب لبدء سباق إعادة الإعمار لتأذن لشركاتها العملاقة للانطلاق في رحلة استثمارات كبيرة من بوابة طريق الحرير”.
الخلاصة: ليس مستبعدا أن تُفاجئ الصين العالم بحجم استثماراتها بإعادة إعمار سورية فأحد أهم أهداف طريق الحرير الجديد الوصول إلى مرافئ البحر الأبيض المتوسط أي من إيران فالعراق فموانئ اللاذقية وطرطوس وطرابلس وبيروت، ومن المشاريع المطروحة أيضا بتنفيذ مرفأ جديد في سورية ليستقبل الناقلات الضخمة وليكون منافسا للموانئ الأخرى في المنطقة!
علي عبود ـ خاص غلوبال