القطن وسر غلاء الألبسة…من المسؤول عن حرمان المواطن «من اللبس مما نصنع»..؟!
استوقفني تصريح لأحد الصناعيين حول إغلاقه معمله لعدم المشاركة في “جريمة” إنتاج ألبسة بـ200 ألف ليرة، بينما راتب الموظف 150 ألف ليرة، وفعلاً هذه المعادلة العجيبة وحدها تمثل جرماً كبيراً يستحق المساءلة والعقاب لمن تسبب في ارتفاع الهوة بين الراتب الشهري وتكاليف المعيشة المتزايدة يومياً، فكيف بمن كان له يد طولى بتحويلنا من بلد يتفاخر بصناعاته بنوعيتها الجيدة وسعرها المقبول، و”اللبس مما نصنع” إلى بلد يتفاخر بالخيوط والألبسة المستوردة كرمى عيون بعض حيتان الاستيراد الذين بدل حياكة الألبسة يحيكون اتفاقات مع بعض أصحاب الكراسي لتخريج قرارات توسع دائرة الاستيراد على حساب المنتج المحلي.
وقبل السؤال عن أسباب غلاء الألبسة الجنوني الذي نشهده في الأسواق حالياً لاستقبال عيد الفطر، ما حرم العائلات محدودة الدخل والمعدمة من مجرد التفكير في شرائها، لابد من التساؤل عن أسباب فشل زراعة القطن المحصول الاستراتيجي، الذي كان يعد من أفضل الأنواع عالمياً، وإذا كانت الحجة أنه شره للمياه في ظل أزمة جفاف تواجه معظم البلدان، ألا يفترض إيجاد أساليب أخرى لريه كالري بالتنقيط بدل التفريط بهذا الموسم، الذي ترتبط فيه عدة صناعات ومنها صناعة النسيج والألبسة والزيوت أيضاً، وهذا يؤدي حسب سيناريوهات مماثلة إلى تشريع الاستيراد بداع أنه أقل تكلفة، وهو ما حصل عند السماح باستيراد القطن لفترة محددة، ما تسبب في عزوف الفلاحين عن زراعة القطن والاتجاه صوب زراعات أقل تكلفة وجدوى ولاسيما أن التسعيرة التي غالباً ما يصفها الرسميون بأنها مشجعة تصدر بعد فوت موعد الزراعة، بحيث يكون “يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب”، علماً بأنه لو وقفنا عند مصطلح “مشجعة” سنجدها “فضفاضة” قليلاً بالنظر إلى تكاليف الزراعة المرتفعة، التي فرضتها قرارات رفع سعر الأسمدة والمحروقات مع أنه يفترض دعم هذا المحصول بكل مستلزمات زراعته ومنع تحميل الفلاح أعباء إضافية تزيد من خسائره وهجره لأرضه، التي تعد الوسيلة الأكثر جدوى لإخراج اقتصادنا من أزمته المتزايدة.
سيطرة رؤوس الأموال وتحديداً كبار المستوردين على صناعة القرار الاقتصادي، وتخبط السياسات والخطط الاقتصادية ”إن وجدت“ تعد السبب الرئيس في وصول غلاء الألبسة إلى أسعارها الخيالية، الموجهة على ما يبدو لمواطني كوكب آخر، فاليوم الموظف في القطاع العام والخاص لا يقدر على كسوة عائلته أو حتى شراء قطعة واحدة في العيد، إذ إن سعر قطعة من النوع الجيد تكلفه راتبه وحبة مسك، ما يعني بـ”القلم نشرح” أن عائلات كثيرة ستغيب عنها فرحة العيد لعدم مقدرتها على شراء مستلزمات العيد بما فيها الألبسة، من دون تجاهل أن الحوالات الخارجية ساهمت بتمكين أسر كثيرة من تأمين احتياجاته وعيش طقوسه، بدليل أن الأسواق بما فيها أسواق حلب الراكدة شهدت خلال الفترة الماضية حركة جيدة بفعل هذه الحوالات، في حين ترك من لا يملكها لقدره يصارع الغلاء.
تخفيض أسعار الألبسة المنتجة محلياً وعودة المعامل إلى صنع منتجات ذات نوعية جيدة كما السابق، بما يمكنها من تغطية احتياجات السوق المحلية بأسعار مقبولة مع العودة إلى التصدير إلى الأسواق الخارجية، لن يكون حتماً بدعم التجار والمستوردين، وإنما بتفعيل سياسة دعم الفلاح والصناعي، فذلك يضمن عودة المعامل التي اضطرت للإغلاق بسبب غلاء تكاليف الانتاج وعدم وجود المواد الأولية اللازمة ومنها الخيوط الناتجة عن القطن، الذي يعد مربط الفرس، فإذا عاد الفلاحون إلى زراعة أرضهم به بعد تأمين مستلزمات زراعته بأسعار مشجعة وليس الاكتفاء بتصدير تسعيرة مشجعة يسحب دسمها غالباً لاحقاً، مع تقليل كميات الخطوط المستوردة كنوع من الحماية للمنتج المحلي، نضمن تخفيض أسعار الألبسة وخاصة عند تقديم محفزات إضافية للصناعيين لزيادة الكميات المنتجة بحيث تصبح هناك منافسة فعلية تخفض الأسعار معها، على أن يقابل ذلك زيادة رواتب منطقية تضمن شراء الأسر احتياجاتها في الأيام العادية و الأعياد دون حاجة لضرب أخماس بأسداس.
غلوبال