بمن تثقون أيها السوريون بالتجار أم بخبراء الاقتصاد؟
على طريقة المنجمين، أو خبراء الفلك والأبراج، أوالمتنبئين الجويين والزراعيين، توقع تجار وخبراء اقتصاد، تارة “أن الانفراجات قادمة”، وتارة أخرى “ الأسواق ستشهد بعد ثلاثة أشهر تدفقاً في السلع وانخفاض بالأسعار”.
والسؤال لملايين السوريين محدودي الدخل:بمن تثقون بالتجار المتحكمين بحركة المواد والأسعار، أم بخبراء الاقتصاد الذين يستندون إلى معطيات ومعلومات وإحصاءات..إلخ.
لن نتفاجأ إذا ما اكتشفنا أن ملايين السوريين الذين خذلتهم الحكومة بوعودها الوهمية والخلبية،لن يصدقوا التجار ولا الخبراء مالم يلمسوا حسّياً أن دخلهم بات قادراً على تأمين مستلزمات العيش الكريم.
ومهما يكن جواب الناس على توقعات التجار، وخبراء الاقتصاد، فإن السؤال: ما الوقائع التي استند إليها التجار والخبراء ليجزموا أن الانفراجات قادمة، وأن الأسعار ستنخفض بعد إغراق الأسواق بالبضائع “الرخيصة”.
لعل المؤشر الأكثر أهمية بالنسبة لتوقع التجار بانخفاض قريب للأسعار هو تحقيق مطلبهم بتحرير الأسعار، وتسليم وزارة التجارة بهزيمتها أمامهم، ولاسيما بعد تحول نشراتها التسعيرية إلى مادة للتهكم والسخرية.
نعم، انتصر التجار باستجابة وزارة التجارة الداخلية، لمطلبهم بتحرير الأسعار لتصبح الأسعار وفقاً لفواتيرهم التداولية، واعتماد فاتورة المنتجين والمستوردين وتجار الجملة أساساً في تحديد أسعار مبيع المستهلك وفق نسب الأرباح المحدّدة،فهل يعني تحرير الأسعار نهاية للفواتير الوهمية؟.
نظريا، يُفترض قيام التجار بعد تحرير الأسعار، وعدم ملاحقتهم من قبل دوريات الرقابة أن يصدروا فواتير حقيقية بالسلع والمواد، وهذا أمر مريح لوزارة المالية، لكن ماذا سيستفيد المستهلك من تحرير الأسعار؟.
وإذا كان صحيحاً أن الفواتير الحقيقية تضمن انسياب السلع وضبط الأسعار، وتخلق المنافسة بين التجار على تخفيض نسب الأرباح فإن هذا الأمر لن يتحقق بوجود احتكار لسلع أساسية يمكن لمستوردها أن يتحكم أساساً بانسيابها أو حجبها وأيضاً بأسعارها، وفي حال وجود أكثر من مستورد ماالذي يمنعهم من إقامة تكتل احتكار فيما بينهم لحجب مادة أو أكثر تمهيداً لتبرير رفع أسعارها خلال أيام؟.
ولن ننتظر طويلاً لنكتشف صدق التجار فغرفة تجارة دمشق أكدت أن البضائع ستتدفق إلى الأسواق مع فواتيرها الحقيقية تدريجياً، وسيلمس المواطن هذا الأمر خلال أسبوعين، في حين سنلمس فرقاً ملحوظاً خلال 3 أشهر ريثما تصل البضائع الجديدة، ويعود المستوردون الذين اعتكفوا عن العمل خوفاً من العقوبات إلى مزاولة نشاطهم.
وتحسباً لأي تعهد جازم وحاسم بتنفيذ الوعود بانخفاض الأسعار أكثر من 10 % قال التجار: يرتبط الأمر بشكل وثيق بالأسعار العالمية،ومهما كانت نسبة الانخفاض القادمة بالأسعار كبيرة أم متواضعة، فإن السؤال: هل سيصبح دخل ملايين الأسر السورية يقوى على شراء السلع الأساسية؟.
ولاندري إن كانت مجرد مصادفة أن يتنبأ أو يتوقع عدد من خبراء الاقتصاد، بالتوازي مع التجار، بانفراجات قادمة ستنعكس إيجاباً على الأسعار وتوفر السلع في الأسواق، بفعل الانفراجات السياسية التي بدأت تشهدها سورية،واستعداداً لهذه الانفراجات القادمة اقترح عدد من أساتذة الاقتصاد عدة حلول لمعالجة المشكلات التي تسببت بها الإجراءات الخاطئة، كإعادة النظر بالسياسة الاقتصادية، ودعم قطاعات الإنتاج الحقيقي من صناعة وزراعة وحرف وتأمين مستلزماتها الإنتاجية بأقل أسعار ممكنة بعيداً عن الاحتكار والسمسرة، وإتاحة تكافؤ الفرص لجميع المستثمرين ليعملوا في ظل منافسة تامة وشريفة، وبعيدة عن الاحتكار والمحسوبيات، وتأمين إنتاج محلي بديل عن الإنتاج المستورد، وتوحيد سعر الصرف.إلخ.
لقد لفتنا فعلاً قول خبير إقتصادي:“إن الانفراجات قادمة بلا أدنى شك لكنها لن تكون متسارعة كما ينتظر المجتمع وهنا على الحكومة العمل على تعديل بعض القوانين واتخاذ الإجراءات المناسبة وبكل المجالات استعداداً لتلك الانفراجات التي لا يتم الاستعداد للاستفادة منها بشكل ممنهج ومؤطر“.
الخلاصة: التجار توقعوا أن تتوافر السلع والبضائع بشكل أكبر في الأسواق وأن تنتهي مظاهر احتكار وتخزين البضائع، في حين توقع خبراء الاقتصاد بانفراجات قريبة جداً، والسؤال: هل ستنخفض الأسعار خلال ثلاثة أشهر أم سنشهد فوضى جديدة غير متوقعة في الأسعار وحركة تداول السلع في الأسواق؟.
والسؤال الأهم: بمن تثقون أيها السوريون بالتجار أم بالخبراء؟.
علي عبود
غلوبال