ماذا يوفر الدعم النقدي لـ 4 ملايين أسرة؟!
لم نتفاجأ بتوضيح وزير التجارة الداخلية بأن الدعم الجديد سيكون على شكل قسيمة شراء يشتري من خلالها المدعوم السلع المدعومةّ!
وبما أن الوزير سبق وجزم: (إذا فكرنا بتحويل قيمة الدعم إلى دعم مادي أو بدل دعم فإن القيمة الكلية ستفوق قيمة الميزانية الكلية للدولة و هذا شيء غير ممكن).. فإن السؤال: ماذا سيوفر الدعم البديل سواء كان نقدا أو رصيدا يُشحن للأسرة في بطاقتها الذكية، أو كان قسيمة شراء التي يبدو أنها الخيار الأفضل للجنة الإقتصادية؟!!
الجواب سيصدم كل من فرح بكتلة الدعم الكبيرة المرصودة في موازنة 2023 والبالغة 5000 مليار ليرة، وقد بشّرنا بعض المحللين إن الأسرة الواحدة ستستفيد أكثر بعد تطبيق الآلية الجديدة التي تضمن إيصال الدعم لمستحقيه .. فهل هذا الإستنتاج صحيح؟
نظريا، وفي حال أفرج وزير المالية عن كامل كتلة الدعم قبل نهاية عام 2023.. فإن حصة الأسرة الواحدة من آلية توزيع الدعم الجديد حسب البطاقات الذكية البالغة 4 ملايين بطاقة، ستبلغ 1.250 مليون ليرة سنويا، أي بمعدل شهري يبلغ 104 آلاف ليرة لكل أسرة.
ويبدو هذا المبلغ جيدا إلى حد ما، لكن المبلغ الذي ستحصل عليه الأسرة ليس واحدا وإنما حسب عدد أفرادها، وبالتالي فإن حصة الفرد من عدد أفرادها المدعومين والبالغ 14 مليون لن يتجاوز 357 ألف سنويا أي 30 ألف ليرة شهريا وتحديدا 29761 ليرة فقط!
ترى ماحجم المواد التي يمكن للمدعوم أن يشتريها بهذا المبلغ من صالات السورية للتجارة؟
تقوم السورية للتجارة حاليا بتوزيع أقل من ثلاث دفعات سكر وأرز، وأحيانا عبوة زيت للأسرة سنويا، أضافت إليها مؤخرا البرغل، فإذا كان سعر الكيلو الواحد من السكر والأرز والبرغل الموزع بالبطاقة أو بقسيمة الشراء حسب سعره المباشر حاليا، واكتفى المدعوم بكيلوغرام واحد فقط من كل منها مع عبوة زيت بسعة ليتر واحدة شهريا فإن ثمنها لن يقل عن 28 ألف ليرة، ويبقى في رصيد بطاقة المدعوم مبلغ 2000 ليرة تقريبا للتصرف بها على مدى شهر كامل غير كافية لشراء بيضة واحدة في الأسبوع!!
وحسب تصريحات وزير التجارة فإن مبلغ الدعم النقدي عبر القسائم، أو بشحن البطاقة الذكية، سيتيح شراء المواد التي تباع في صالات السورية بسعر كالسكر الحر أو الفروج أوالزيت النباتي، وعبوات المياه..الخ، ترى ماذا سيشتري المبلغ المتبقي من الدعم (2000 ليرة) بعد شراء المخصصات من السكر والأرز والبرغل والزيت؟
إن هذه العملية الحسابية البسيطة تؤكد ما أكده وزير التجارة الداخلية (إذا فكرنا بتحويل قيمة الدعم إلى دعم مادي، أو بدل دعم فإن القيمة الكلية ستفوق قيمة الميزانية الكلية للدولة و هذا شيء غير ممكن)..
وما لم يقله وزير التجارة هو الأهم: وداعا للدعم!
بدأ الأمر بالمحروقات، وسيشمل قريبا السكر والشاي و.. الخبز أيضا، وما آلية صرف مبالغ الدعم مباشرة على 14 مليون سوري، سوى المقدمة لإلغاء الدعم تدريجيا، يكفي أن ترفع اللجنة الإقتصادية أسعار المواد التي لاتزال تباع بأقل من سعر السوق، كي يتبخر مبلغ الدعم النقدي، فعلتها اللجنة مرارا وتكرارا مع السكر والأرز والخبز، وستفعلها قريبا جدا، وربما بعد وضع آلية الدعم النقدي موضع التنفيذ!
ومثلما بدأت عملية تحرير اسعار المحروقات في عام 2008 ولا تزال العملية مستمرة، فقد إنطلقت عملية تحرير ماتبقى من مواد مدعومة سواء برفع اسعارها المرة تلو الأخرى من جهة، أوبخفض كمياتها من جهة أخرى!
ولن نُفاجأ بعد تدهور القيمة الشرائية لمبلغ الدعم النقدي أن تضمه الحكومة لأساس الراتب، كما حصل سابقا بضم تعويض التدفئة وبدل المعيشة (كان 1000 ليرة شهريا أي 20 دولارا) إلى أصل الراتب بعدما تقزم ولم يعد يشتري شيئا بعد تحرير أسعار المحروقات تدريجيا ابتداء من عام 2008.
الخلاصة: مبلغ الدعم النقدي والبالغ بحدود 150 ألف ليرة شهريا لأسرة من خمسة أشخاص لاقيمة له إن لم تستطع الأسرة أن تحصل مقابلها على سلة غذائية تتوفر فيها المواد الأساسية من سكر وأرز وخبز وزيت وشاي وبرغل وعدس ودقيق ومعلبات..الخ، وإن كان هذا الأمر يُربك وزارة التجارة، فالحل الأسهل تعديل الرواتب والأجور لتستعيد قدرتها الشرائية التي كانت عليها ماقبل عام 2011، ولا يوجد حل ثالث!
علي عبود ـ خاص غلوبال