سوريات اخترن أزواج عرب وأجانب هرباً من واقعهن..
ترتسم على وجه “روئ” ابتسامة عريضة وهي تتذكر حياتها الشاقة قبل الزواج في سوريا فقد انتهى كابوس الركض خلف السرافيس للوصول إلى العمل، والانتظار لساعات طويلة لشحن الموبايل واللابتوب وعمليتي الجمع والطرح لدفع آجار المنزل الذي كانت تسكن به في دمشق بحكم أن عائلتها تقطن بمحافظة أخرى.
رؤئ شابة سورية تبلغ من العمر 30 عاماً تعرفت على شاب مصري عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فتعلقت به وأحبته ورغم معارضة الأهل لهذا الزواج إلا أنه وفي آخر المطاف تمت الموافقة وتوج هذا الزواج بمحاكم مصر وسوريا.
تقول الفتاة السورية: “لقد كانت فترة تعارفنا قبل الزواج قصيرة جداً، ولكن بعد زواجنا بيوم واحد في سوريا، بدأنا رحلة جديدة بعيدة كل البعد عن الوضع السيئ في سوريا “اقتصادياً ومعيشياً” وكانت هذه الرحلة أيضاً رحلة تعارفنا أكثر”.
رؤئ ليست الفتاة الوحيدة التي تزوجت من شاب عربي، بثينة ذات الـ 18 عاماً زوجها والدها لشاب لبناني خوفاً عليها من الوضع المعيشي الصعب.
تقول بثينة لـ “أثر”: “مرت علينا أيام صعبة جداً كنا ننام من دون عشاء وبعد أيام تكون لدينا وجبة واحدة فقط بحكم أن عددنا 7 أولاد في المنزل مع الأم والأب والمعيل الوحيد هو والدي لذلك قرر تزويجي بعدما ذكرني أحد أقاربي لزوجي حالياً”
وتوضح قائلة: “اليوم الوضع أفضل بعدما أن تم عقد قراني على رجل لبناني غني من البلدة”، ولم تخف خوفها من هذا الارتباط لأنه يبلغ من العمر أربعين عاماً.
وتكمل بثينة: “بعض العائلات تبيع فتياتها لتعيش، ولكن بكل الأحوال الرجال هنا يأخذون الفتيات اللواتي يريدونهن مقابل المال أو من دونه، لذلك سأتزوجه فقط كي تتحسن الأمور نحو الأفضل، أنا لا أريد الزواج ولا إنجاب الأطفال، أفعل هذا فقط من أجل الأمان، أليس من المخجل أن أتزوج رجلاً في الأربعين وأنا في الثامنة عشر؟ يقول لي (أنا من يحميك، ويطعمك، عليك أن تفعلي ما أقول) فاقتنعت بهذا الزواج.. من أجل عائلتي، حتى نتمكن من العيش بأمان”.
بين تنهداتها وبعد أن أخذت نفساً عميقاً ومسحت وجهها باستسلام تتابع “إنه على حق، فهو الذي يطعمني ويحميني، فزوجي “حسن” خفف عني الكثير من عناء الغربة والشتات.
شبح كلمة عانس:
كان شبح كلمة “عانس” يحاصر منى من محافظة درعا، ما أدى إلى قبولها بالزواج من شاب أردني قبل ثمانية أعوام تكلل بالنجاح، مشيرة إلى أنها لم تواجه فروقات اجتماعية أو بالعادات والتقاليد، كون جميع بلاد الشام متشابهة في ذلك.
وتضيف في حديثها لـ “أثر” أن الجميع كان مرحبا بها في عائلته ولكن صادفت اختلافا بسيطًا وهو اللهجة، فهي تتكلم اللهجة الدرعاوية وهو أردني متمسك بلهجته.
وتعيش منى في العاصمة عمان، وتعرفت على زوجها عبر الفيس بوك، ولديها الآن طفلة صغيرة وتنتظر طفلها الثاني.
لتنسى خطيبها المتوفي:
أما ليندا، فكان قرارها صعب أكثر من روئ وبثينة فهي قررت الزواج من شاب إسباني بعد أن فقدت أغلقت جميع الأبواب بوجهها وفقدت حب حياتها الأول في الحرب.
تقول الفتاة ذات 35 عاماً لـ “أثر”: “كان القرار صعب، هو صديق خالي وطبيب أطفال تعرفت عليه عندما جاء إلى سوريا لحضور مؤتمر علمي منذ حوالي 5 سنوات، في البداية قررت الهروب لكي أنسى جميع الذكريات التي جمعتني بخطيبي، فكانت خطوة الزواج من أجنبي أفضل طريقة وخاصة ضمن ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة”.
تكمل ليندا: “اللغة والعادات والتقاليد جميعها مختلفة عن السوريين لذلك كان هناك صعوبة بالتواصل واليوم وبعدما أنجبت ولدين من زوجي “ألكسندر” أصبحت الحياة أجمل بكثير والتفاهم أسهل بحكم تعلمي اللغة هو شاب خلوق ويساعد أهلي في سوريا”.
الاندماج أدى إلى زيادة الحالات:
وازدادت حالات الزواج بين السوريات والشباب العرب أو الأجانب خلال الأعوام العشرة الماضية، مقارنة بما قبل عام 2011، الذي بدأت فيه موجة لجوء السوريين، وهو ما شكل تعزيزاُ للاندماج بينهم.
وأكد القاضي الشرعي الثالث في دمشق خالد جندية في تصريح لـ “أثر” أن “زواج الفتيات السوريات من العرب أو الأجانب هي ظاهرة كانت موجودة قبل الحرب ولكن هجرة العديد من العائلات السورية بسبب الحرب إلى بلدان أخرى عربية أو غير عربية والاندماج بمجتمعات تلك البلدان أدى إلى زيادة حالات زواج السوريين ذكوراً وإناثاً من جنسيات غير سورية، وهو أمر طبيعي نتيجة الاندماج المذكور وبالنسبة للأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على رغبة الأفراد بالزواج من الأجانب فهي تكون بدافع السفر خارج البلاد”.
وعن الشروط الواجب توافرها في الزواج من غير السوري أشار جندية إلى أنه من الناحية الشرعية شروط الـزواج لا تختلف بشكل عام، ومن ناحية الوثائق المطلوبة لمعاملة الزواج فأيضاً هي ذاتها الوثائق المطلوبة للتقدم بمعاملة الزواج للسوريين يضاف عليها وثيقة فحص مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) لغير السوري من العرب وموافقة وزارة الداخلية للأجنبي غير العربي.
بالنسبة لدور الولي في حالات الزواج المذكورة أعلاه قال القاضي الشرعي الثالث: يجب توافر موافقة ولي الأمر حتى تستطيع الزوجة تسجيل الزواج في سوريا أسوة بزواج السوريات عموماً فممكن لولي الزوجة الحضور إلى سوريا وإبداء موافقته على الزواج أو توكيل شخص آخر بموجب وكالة أصولية لإبداء تلك الموافقة.
وحول المهر المحدد في حالات الزواج التي تتم من غير السوريين، بيّن جندية أن “المهر يتم تحديده باتفاق الأطراف وقانون الأحوال الشخصية السوري نص على أنه لا حد لأقل مهر ولا لأكثره وبالتالي حتى لو كان الزوج غير سوري يسجل المهر وفقا لما اتفق عليه الطرفان بالليرة السورية أو الذهب وأما إذا كان اتفاق الطرفين على المهر بمبالغ بعملات أخرى فيتم تسجيل المهر بما يعادل تلك المبالغ بالعملة السورية”.
وختم القاضي الشرعي الثالث كلامه بالقول: “بالنسبة للفتاة التي تزوجت من غير سوري خارج سوريا وفقاً للضوابط الشرعية فهذا أمر مشروع وغير مخالف للقانون ولا يستوجب أي عقوبة وتستطيع الزوجة تسجيل ذلك الـزواج في سوريا وفقا للقانون والاتفاقيات القضائية الدولية المرعية”.
20% الزوج فيها عربي الجنسية
يشكّل الخلط بين القوانين السورية وقوانين العديد من الدول العربية أو الأجنبية من أكبر المشكلات التي تواجهها النساء السوريات خلال الزواج، وهنا يقول المحامي باسم الجابري عضو نقابة المحامين بدمشق لـ “أثر”: “أكثر الاستفسارات التي تأتي للمكتب هي للسؤال عن إجراءات الزواج” موضحاً أن 20 % من هذه الحالات يكون الزوج فيها عربي الجنسية (مصري – عراقي – أردني) ، و70% من هذه الحالات يكون الزواج فيها غير موثق ما يضيع حقوق المرأة بسبب تنصّل الزوج”.
ولفت إلى أن أكثر هذه الزيجات تكون بصفوف اللاجئين السوريين ولم تستطع السوريات الحصول على حقوقهن، وبعضهن لم يحصل على الطلاق، ومنهن من أنجبن أطفالاً بالفعل وبقوا من دون تسجيل.
أثر برس