مسؤول أم محلل إقتصادي؟
يتميز المسؤول عن المحلل السياسي بأمر واحد على الأقل، المسؤول صاحب سلطة أو قرار، أما المحلل فيُشخّص الأزمة أوالمشكة ويقترح لها الحلول التي لايمكن أن تترجم إلى أفعال إلا بقرار من المسؤول!
وإذا كان يستحيل على المحلل أن يترجم أقواله إلى افعال، فإنه يستحيل أيضا حل المشكلات إذا اكتفى المسؤول بتشخيصها أي اكتفى بلعب دور المحلل وتهيّب اتخاذ الإجراء أوالقرارا المناسب بشأنها!
ومن يتابع تصريحات الوزراء سيكتشف بسهولة أنهم تحوّلوا إلى محللين متخلّين عن مهمتهم الأساسية وهي إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات المناسبة لحل الأزمات التي ترخي بظلالها الثقيلة على كاهل ملايين السوريين!
وما يؤكد تماهي المسؤول بلعب دور المحلّل، أن يطالب الوزير في الإجتماعات التي يترأسها للمؤسسات والمديريات التابعة لوزارته، بعد استعراض واقع عملها، أن تفعل كذا وكذا، بدلا من أن يسألها عن أسباب عدم تنفيذ ماصدر عنه من قرارات، أو يخرج من الإجتماعات بقرارات وإجراءات جديدة!
والسؤال الدائم: إذا كان الوزير يحلّل ويطالب فمن يصدر القرارات والتعليمات والإجراءات؟
لقد حلل وزير الزراعة واقع موسم زيت الزيتون ليخرج بنتيجة حاسمة:هناك فائض كبير بزيت الزيتون بسبب إنخفاض القدرة الشرائية!
وأصاب الوزير في استنتاجه بأنه على الرغم من منع تصدير المادة في الموسم الماضي فإن أسعارها لم تنخفض، لكنه تجاهل الإجابة على السؤال المهم: هل ارتفاع سعر مادة زيت الزيتون سببه احتكارها من قبل التجار بذريعة قرار تصديرها أم بفعل ارتفاع تكلفتها؟
حسنا، أجاد وزير الزراعة بتشخيص المشكلة واكتشف بالتجربة أن منع التصدير لن يخفض سعرها، وبالتالي لم يمارس دوره كمسؤول باقناع مجلس الوزراء بإصدار القرارات أو الإجراءات التي من شأنها تخفيض التكلفة أي يتخفيض مستلزنات الإنتاج، أو بتوفيرها بسعر مدعوم، أوبتحسين القدرة الشرائية للعاملين بأحر!
لم نسمع أو نقرأ أن وزير الزراعة اقترح في احدى جلسات مجلس الوزراء أن تقوم وزارة التجارة الداخلية بشراء زيت الزيتون مباشرة من المنتجين وبيعه بسعر مدعوم لملايين الأسر السورية عبر البطاقة الذكية.
والأهم من كل ذلك الإجابة على السؤال: هل لدينا فعلا فائضا بزيت الزيتون؟
نحن هنا نتعامل مع مادة قابلة للتخزين على عكس الحمضيات، والمنتج الذي يعرف هذه الحقيقة يقوم بتخزين حاجته منها للعام التالي الذي قد لايؤّمن له حاجته بفعل المعاومة، أي إن الفائض في مادة الزيتون يجب أن يقاس بعامين وليس بعام الوفرة فقط!
صحيح إن وزارة الزراعة غير معنية بالتسويق، لكنها وزارة غير مستقلة، بل تعمل ضمن مجلس الوزراء حيث تعرض خططها ومشاريع قوانينها وقراراتها لانتزاع الموافقة عليها، وليست مهمتها تقديم التحليلات وقراءات للواقع فقط!
حقيقة لم نعرف ماذا قصد وزير الزراعة بتحليلاته الأخيرة بأنه على الرغم من كل القرارات المتعلقة بالسماح بتصدير زيت الزيتون ومنعه في الموسم الماضي فأن سعر المادة بقي كما هو، وبقيت مؤشرات الأسعار في السوق مستقرة!
لقد حلل وزير الزراعة المسألة فاستنتج ان هناك فائضا كبيرا بزيت الزيتون لأن إنتاج الموسم الماضي لم يتم استهلاكه بالكامل، وسيضاف إليه 125 ألف طن من إنتاج الموسم الجديد، لكنه لم يُوفّق باستخلاص النتائج لتتخذ الحكومة على ضوئها القرارات المناسبة!
لو اكتفت الـ 5 ملايين أسرة سورية ببيدون زيت واحد في السنة لما كان إنتاج الموسم الجديد كافيا، أي لكان هناك عجزا في المادة وليس فائضا، ولصدر قرار باستيرادها كي لاتجنّ أسعارها!
وبدلا من أن يخوض وزراء الزراعة والصناعة والتجارة الداخلية والإقتصاد بتحليلات نظرية فليجتمعوا معا لاتخاذ قرار بتوفير المادة لملايين الأسر السورية وبمعدل ليتر واحد على الأقل شهريا بسعر مدعوم أي يناسب دخلها.. فهل هي مهمة مستحيلة أن لايكتفي الوزراء بالتحليل والتشخيص بل بممارسة دورهم الطبيعي باتخاذ قرارات لصالح المنتجين والمستهلكين، أي القرارات التي تحررهم من احتكار كبار التجار؟
الخلاصة: لسنا بحاجة لوزراء محللين يخبروننا إن الفائض في المواد الأساسية كالزيوت واللحوم والفروج والألبان والأجبان في الأسواق سببه ضعف القدرة الشرائية، بل نحتاج إلى وزراء يبتكرون في اجتماعات مجلس الوزراء الحلول الفعالة لتحسين القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية، أو بيعها المواد الأساسية بأسعار تناسب دخلها .. وإذا كان هناك من حلول أخرى فليتجرأ وزير ما ويكشفهاعلنا للسوريين؟
علي عبود ـ خاص غلوبال