من المسؤول عن الغلاء المواطن غير مهتم بارتفاع الأسعار!!
مهما أتحفتنا وزارة التجارة الداخلية بحجج وتبريرات “خلبية”، فإن المواطن لم يعد مهتما بارتفاع الأسعار، فقد طارت معظم السلع الأساسية عن مائدة أسرته، وبالكاد يتمكّن من تأمين مادون الحد الأدنى من الكفاف اليومي!
ومن الملفت جدا أن يتحدث وزير التجارة عن عمل وزارته وآلية التسعير في الوقت الذي لاتستطيع ملايين الأسر السورية شراء احتياجاتها الأساسية إلى حد لم تعد تسأل فيه عن الأسعار، بل لم يعد يهمها هذا الأمر مادام دخلها يتقلص يوما بعد يوم، ولم تعد قادرة على شراء السلع إلا بالقطع الصغيرة، أوبالغرامات، وليس بالأوقية أوالكيلو، كما كان حالها حتى الأمس القريب!
ولا يختلف الأمر كثيرا مع اللجنة الإقتصادية، التي تنشغل برفع الأسعار بذريعة أرتفاع تكلفة تصنيعها أواستيرادها، بدل الإنشغال بالإجابة على سؤال ملايين الأسر السورية: متى تُعدّل أجورنا لنتمكن من شراء الحد الأدنى لمتطلبات معيشتنا؟
وما يثير الإستغراب، بل والشكوك أيضا، ان يكشف وزير التجارة بأن اللجنة الإقتصادية أنهت العمل بمشروع تخفيض تكاليف بعض الرسوم الإضافية على المواد المستوردة، وكأنّ هذا المشروع سيؤدي إلى تخفيض الأسعار في الأسواق!!
المسألة لم تكن يوما بتخفيض الأسعار، فحتى لو قرر التجار والصناعيون تخفيض المستوردات والمنتجات المصنعة محليا بنسبة 100% أي إلى مادون كلفتها، فإن دخل الأسرة الذي تراجعت قدرته الشرائية أكثر من60 ضعفا لن يكفي لشراء السلع الغذائية الكافية لمتطلبات عيشها اليومي!
ومن المهم أن يحرص وزير التجارة على التواصل مع التجار والصناعيين لحل مايرونه من مشاكل تحول دون انقطاع أي مادة من السوق أو توقفهم عن الإنتاج، لكن الأكثر أهمية ان يحرص الوزير على أن تكون المواد الأساسية على الأقل في متناول الأسر محدودة الدخل، إذ ما الفائدة من عرض وفير للسلع دون قدرة ملايين الأسر على شرائها!
ولو كان وزير التجارة حريصا فعلا على معيشة المواطنين لوفّر احتياجاتهم الأساسية في صالات السورية للتجارة بأسعار تتناسب مع د خلهم، او توزيعها عبر البطاقة الذكية شهريا وليس ثلاث مرات في السنة!!
وما يثير استفزاز المواطنين هو تكرار المسؤولين على مختلف مسمياتهم ومتدرجات مناصبهم لمعزوفة من التبريرات المشرعنة للغلاء الفاحش، من قبيل ان ارتفاع الأسعار مشكلة عالمية ، و استمرار الحرب الأوكرانية، وقرارات العديد من الدول بإيقاف التصدير والاحتفاظ بمنتجاتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي..الخ، لكن مامن مسؤول يجيب على السؤال: ما الإجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية المعنية لتوفير السلع محليا وبأسعار تناسب دخل ملايين الأسر السورية؟
الواقع يؤكد إن من ينشغل برفع مستلزمات الزراعة والصناعة بنسب كبيرة ودون توقف تنعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية، لايهمه كثيرا مايحدث من خروج آلاف المنتجين من العمل ، وبتراجع الإنتاج والإستهلاك، بل لايهمه ما تتعرض له البلاد من انكماش وركود غير مسبوق!
ربما المقترح الوحيد الذي كشف عنه مؤخرا وزير التجارة والذي يمكن في حال تنفيذه أن ينعكس إيحابا على الأسرة هو (طرح المواد مباشرة من المصنع إلى المواطن عبر صالات السورية للتجارة وعبر البطاقة الالكترونية لإلغاء الحلقات الوسيطة التي تعتبر أحد أسباب رفع الأسعار)، وهذا المقترح ليس اكتشافا جديدا، فهو مطبق نسبيا في معارض التسوق التي تنظمها غرف الصناعة، لكن لم يهتم أي وزير للتجارة بتنفيذه في صالات التدخل الإيجابي، وأن يبدأ مثلا ببيع منتجات القطاع العام!
أكثر من ذلك، أن مايثير الريبة والشكوك هو عدم استجرار السورية للتجارة لمنتجات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، مايوحي بأن فكرة طرح سلع منافسة بالسعر والجودة لمثيلاتها العائدة لكبار المستوردين والصناعيين غير وارة إطلاقا حتى الآن!
الخلاصة: مهما كانت آلية التسعير جادة وفعالة ودقيقة .. فهي لاتعني المواطن غير المهتم بزيادة الأسعار لأن شغله الشاغل هو انخفاض القوة الشرائية لدخله الذي بالكاد يكفي شراء الفلافل فقط!!
ولو كان وزير التجارة مهتم فعلا بتأمين السلع الأساسية للمواطن لتوسط لدى مجلس الوزراء لإقرار سلة غذائية لملايين الأسر السورية بما يناسب دخلها، أو برفع الحد الأدنى للرواتب والأجور للعاملين في القطاعين العام والخاص بما يكفي لتأمين متطلبات الحياة المعيشية اليومية ومتغيراتها ، أي حسب مانص عليه الدستور بلا أي “منّة” من أحد!!
علي عبود ـ خاص غلوبال