دكتور في الاقتصاد: المركزي قيد سعر الصرف وسمح للأسعار بالصعود
في ندوة أقامتها جمعية أصدقاء دمشق بالمركز الثقافي في أبو رمانة تناولت دور المؤسسات المالية في تشجيع الاستثمار في سورية، بيّن الدكتور علي كنعان من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن الدول والحكومات تسعى بكل إمكانياتها لزيادة الاستثمار لأن كل استثمار جديد سوف يزيد من الدخول المادية ويزيد النمو، لذلك تجد الجميع يشجعون على الاستثمار ويجذبونه بوسائل متعددة كون المستثمرون سيسعون لتصنيع المواد الأولية اللازمة للصناعة، وفي مجال السياحة سيسعون لإقامة الفنادق والمنتجعات، ويؤدي الاستثمار لحل مشكلة البطالة وزيادة الصادرات وزيادة أرباح المستثمرين، وبالتالي تطوير الاقتصاد الوطني وزيادة معدل النمو .
ورأى كنعان أن تشجيع الاستثمار يحتاج لعدد من المتطلبات فسورية كغيرها من الدول بدأت منذ فترة طويلة بعد اتخاذها جملة من الإجراءات بهدف تشجيع الاستثمار، وتأتي في طليعتها مشاريع البنية التحتية والخدمات من طرقات وجسور ومدن صناعية ومياه وكهرباء واتصالات، إلا أن الأزمة أثرت عليها بشكل مباشر وتضررت في أكثر المدن وتأثر قطاع الكهرباء بسبب نقص المحروقات .
وفيما يتعلق بإجراءات الترخيص والتأسيس نوه كنعان بأنها مازالت تأخذ وقتاً طويلاً رغم وجود النافذة الواحدة في المدن الصناعية وكل جهة تحتاج للعودة إلى الوزارة المختصة للحصول على الموافقة.
ومن متطلبات تشجيع الاستثمار المهمة التي أكد عليها كنعان في محاضرته عدم وجود تعارض وتضارب بين التشريعات والقوانين كونها تعدّ من أهم إجراءات تشجيع الاستثمار، فالمستثمر سوف يحصل على التراخيص ويباشر نشاطه، وهنا تلعب القوانين دوراً في عرقلة أو إيقاف الاستثمار، وكثيراً ما نلاحظ أن القانون أعطى صلاحية معينة، إلا أن الوزارة المعنية تقوم فيما بعد بإصدار تعليمات تلغي القانون بالكامل، ولكل وزارة أنظمة وإجراءات داخلية لا تتفق مع الوزارة الأخرى، لذلك يكون المستثمر ضمن هذا التعارض والتضارب بين الأنظمة والقوانين.
ويتابع كنعان : إن سورية مازالت تعمل بالضريبة النوعية على الدخل، وبذلك كل مستثمر يجب أن يخضع ضريبياً لعدة دوائر مالية، منها ضريبة الدخل – الصناعي – التجاري –الحرفي – العمال – الموظفين، لأننا لم نوحد الإجراءات ولم نستطع تطوير هذا القانون حتى الآن، علماً أنه في جميع الدول يوجد قانون لضرائب الدخل، وقانون للقيمة المضافة، ونحن لدينا عدد من الإجراءات والقوانين والأنظمة التي تدفع المكلف للتهرب الضريبي.
وأما ما يتعلق بالسياسة النقدية، فيرى المحاضر أن المصرف المركزي يحدد حجم القروض والقطاعات المستفيدة من هذه القروض، وهذا يعرقل حركة المصارف في منح القروض، ففي الوقت التي تعاني فيه المصارف من زيادة حجم الودائع، نلاحظ بالمقابل تحديد حجم الإقراض وتحديد حجم السحوبات، فمن يحصل على قرض لا يحق له سحب أكثر من خمسة ملايين ليرة سورية يومياً.
الدكتور كنعان أشار إلى أن الاقتصاد السوري يعاني منذ العام 2011 من تبعات الحرب التي أرخت بظلالها على الاقتصاد وحوّلته من جاذب للاستثمارات إلى طارد لها، فقد انتشر السوريون في جميع الدول العربية وخاصة مصر والأردن وأقاموا صناعة متميزة أصبحت مضرب المثل هناك، إضافة لانتشار الكوادر السورية في كل أنحاء العالم، وأصبحوا مثالاً للعمالة الماهرة المؤهلة والمدربة القادرة على دخول سوق العمل مهما كانت تعقيداته التكنولوجية.
والسؤال الذي يطرح نفسه، حسب كنعان: هل أعدت الحكومة سياسة صناعية أو زراعية لتشجيع الاستثمار الصناعي أو الزراعي بهدف تشغيل العمالة وزيادة الإنتاج؟
بالطبع : قدمت الحكومة عدداً من الاجراءات من ضمنها قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 الذي تضمن مزايا عديدة للمستثمرين، وقانون التمويل الصغير لتشجيع تأسيس مصارف لتمويل المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر.
وينوه كنعان بأنه إذا ما عدنا إلى الوراء نلاحظ أن الحكومة منذ إصدار القانون رقم 10 لعام 1991 وهي مشغولة بتطوير الاستثمار مروراً بالمرسوم رقم 7 لعام 2004 وصولاً إلى القانون رقم لعام 2006، فجميع هذه الأنظمة والقوانين ركزت على تشجيع الاستثمار لكن ظروف الأزمة أدت الى هذه النتائج السيئة التي يعيشها الاقتصاد السوري، والآن يجب التركيز على دعم الاستثمار الزراعي لكي نزود الاقتصاد بالمواد الغذائية والمواد الأولية اللازمة للصناعة ودعم القطاع الحرفي الصغير لإعادة إحيائه كونه تضرر بشكل كبير خلال الأزمة، إضافة لدعم القطاع الصناعي لأنه محرك (دينامو) النمو الاقتصادي في كل بلد.
وبيّن كنعان أن المصرف المركزي ركز جل اهتمامه على تقييد سعر الصرف في أدنى الحدود والسماح للأسعار بالصعود بغض النظر عن تكاليف السلع وسعر الصرف، الأمر الذي أدى لتجميد الحركة الصناعية والتجارية للحفاظ على سعر الصرف المستقر (لم ولن يحصل ذلك) مع عدم استخدام سعر الفائدة لمعالجة حالة التضخم وبقي منخفضاً بحجة تشجيع الاستثمار، كما رفع المصرف نسبة الاحتياطي القانوني على المصارف إلى 30% بهدف تخفيض قدرتها على الإقراض، لأنه والحجة الحفاظ على سعر الصرف والتضحية الاستثمار، بالإضافة إلى تسعير الحوالات بأسعار متدنية رغم أنها مصدر تمويل مهم للاستثمارات، كما أن تقييد القروض هو أخطر عمل على الاستثمارات قام به المصرف المركزي خلال الأزمة، وسمح باستئناف القروض بعد عام 2018 بمعدلات متدنية، كما يحافظ على تجفيف منابع السيولة للحفاظ على سعر الصرف.
وبالنسبة لدور الأجهزة الضريبية في تشجيع الاستثمار، أكد كنعان أن السياسة المالية ركزت على عدد من الإجراءات منها الإعفاء الضريبي لمدة خمس سنوات مع إعفاءات جمركية للاستثمارات والآلات المستوردة وإعفاء المواد الأولية من الرسوم الجمركية وضريبة رسم الإنفاق الاستهلاكي، وهذا سينعكس إيجاباً على الصناعة الوطنية.
ونوه كنعان بأهمية دور قطاع التأمين في دعم الاستثمار، لأنه من خلال التأمين تستطيع الشركات تخفيف حجم المخاطر وتضمن استمراريتها، كما تساهم الأسواق المالية في تشجيع الاستثمار كونها تساهم في تجميع المدخرات الوطنية الصغيرة لتشجيع تأسيس شركات مساهمة صناعية أو زراعية وتسهيل نقل أو بيع الممتلكات بين المستثمرين بهدف تأسيس استثمارات جديدة، ناهيك بأن الأسواق المالية تلعب دوراً آخر في تشجيع الاستثمار الحقيقي بدلاً من المضاربة .
ومن الحلول و المقترحات التي وضعها الدكتور كنعان تشجيع الاستثمار الصناعي والحرفي بأشكال عديدة من خلال تحديد سعر الصرف بشكل تدريجي وعدم تقديم الحماية والدعم له، لأن الأسعار تتحدد استناداً للسعر الحقيقي وليس المدعوم وتشجيع القروض المصرفية للقطاعات الصناعية والحرفية، وكذلك تشجيع استيراد المواد اللازمة للصناعة بهدف تشغيل الورشات والحرف والمشاريع الكبيرة واستخدام مصارف ظل للتخفيف من آثار العقوبات المفروضة على سورية أو شركات ظل في الدول المجاورة وتشجيع الصادرات بهدف زيادة الإنتاج المحلي.
إضافة لتشجيع تأسيس شركات مساهمة مغفلة كقاعدة ملاكين جدد تكون إدارتها من الخبراء والمتخصصين لتستطيع تجميع المدخرات الوطنية الصغيرة. وأضاف كنعان أنه من ضمن المقترحات : تشجيع الاستثمار الزراعي من خلال تامين مستلزمات الإنتاج و تحرير الاستيراد من خلال السماح للتجار للقيام بهذا الدور بدلاً من شركات محددة احتكارية ترفع الأسعار وتشوه الاقتصاد الوطني وزيادة الأجور بهدف زيادة القدرة الاستهلاكية للمواطنين لاستهلاك السلع وزيادة حجم التصنيع .
وتركزت مداخلات الحضور على أهمية دور النظام النقدي المصرفي في تشجيع الاستثمار، لأن استمرارية عمل المستثمر مرتبطة بالمصرف وبالتسهيلات المصرفية للتعاملات اليومية من إيداع وتحويل وتمويل وتحصيل قيم صادرات وغيرها، ومن هذه النقطة تشكل المصارف شريان حياة للمشاريع والاستثمارات، ناهيك بأهمية توفير المناخ المناسب للاستثمار والتي تعدّ أهم بكثير من قانون الاستثمار بحد ذاته.
تشرين