هل سيتم تحرير الرواتب لتكون نداً للأسعار
يبدو أن الإجابة عن سؤال “أين نحن حالياً كمواطنين على الخريطة الاقتصادية المعيشية؟” ستكون صعبة ومحيّرة للجميع، سواء للجهات الحكومية الدائرة في فلك إعادة توزيع الدعم والبحث عن موارد مالية بشتى السبل، أو للمصنّفين في خانة المحلّلين والخبراء الاقتصاديين الذين لا يملكون معلومات كافية عن واقع الأيام القادمة، وكلّ ما لديهم قراءات بسيطة لحال الاقتصاد، وهي لا تخرج من دائرة “الدردشات”، أما بالنسبة للمواطنين فما يعانونه يمثل الإجابة الأكثر واقعية، فقد تُركوا ليواجهوا مصيرهم المحتوم مع القلة والعوز!.
وإذا اعتبرنا أن كفّ يد بعض الموظفين في وزارة المالية يشكّل خطوة لإيقاف نزيف المال العام، أو سوء استخدام الصلاحيات، فهل هذا ينبئ بتزخيم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لا نسمع عنها إلا تصريحات مقتضبة حول خطوات تنفيذية لا يمكن استشعار نتائجها كونها غير معلنة، وخاصة مع تأخر واضح في الإطاحة بالعديد من الشخصيات التي لن نقول عنها فاسدة بل “غير فاعلة” في المرحلة القادمة، بكل ما فيها من متغيّرات تتعلق بمعادلة معيشية واقتصادية من شأنها التقليل من الفوارق في قيم الهدر بكل أنواعه، وفي الوقت نفسه تمثل نوعاً من التهدئة بعد المساس بالخطوط الحمراء رغم المحاولات المتواصلة والمتتالية من أصحاب القرار للتأكيد على أن الأمور تحت السيطرة وأن خبز الفقراء بأمان. ولكن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى اختراق كلّ الدوائر التي ظلت لعقود طويلة آمنة، وربما تكون المخاوف التي تتحرك بسرعة اليوم حول ارتفاع أسعار متصاعد للطاقة وللسلع بكل أنواعها، وخاصة مع تخبّط وفوضى في التصريحات الوزارية التي باتت مؤشراً على المتغيّرات المعيشية القادمة، فعلى لسان الوزراء ومعاونيهم تتسرب الحقائق المختلفة التي تصنّف دائماً تحت بند الخطأ التكتيكي الذي يغالط الواقع، ويناقض ما يدرس ويدور في المكاتب المسؤولة والأروقة التي تنبض عجزاً وشللاً بالقدرة على وقف عجلة الانحدار المعيشي التي تنتهي دائماً بصدمة من العيار الكبير، وبشكل يحوّل نتائج الاجتماعات من خانة القرارات العلاجية إلى تسيير الأعمال ومهر المستجدات بختم الواقع الفعلي.
ويبدو أن إمعان الجهات المعنية في سياسة تحرير الأسعار دون الانتباه إلى أهم المؤشرات التنموية الاقتصادية المتعلقة بدخل الفرد وتراجع القوة الشرائية يستدعي اليوم المساءلة والمحاسبة، فلا يمكن تقليص الفارق بين الدخل والإنفاق إلا عبر سياسة تحرير الرواتب كما تفعل في الأسعار تحت مظلة رفع الدعم الحكومي على مراحل، ولو كان ذلك بشكل مبطن.
بالمحصلة، المواطن يدرك ويستشعر التحديات وحساسية الظروف وقوة الحصار الظالم، ولكنه في الوقت ذاته يريد قدراً من الشفافية والوضوح، واتخاذ خطوات جادة نحو خلق التوازن الاقتصادي والمعيشي الذي يقلّل الهدر ويحاسب على الفساد. فهناك الكثير من الموارد الموجودة بين أيدي أصحاب القرار ولكنها تتآكل تحت ضغط الفساد، فهل تتمّ الإطاحة بالرواتب وتحرير قيمتها لتكون نداً للأسعار؟ أم تبقى بقيمتها الشرائية على خط الفقر العالمي والمحلي؟.
البعث