هل انحرف مفهوم التاجر السوري عن مساره..أم أن الأزمات كشفت معادن الرجال..؟! دعوة لإعادة النظر بمفهوم "التاجر السوري" وتصنيفه ضمن معايير تُثبت التزامه بأصول الكار..!.
خاص – صاحبة الجلالة
يقال: "إن الإنسان لا يتغير، وإنما الشدائد تكشف معادن الناس على حقيقتها".. هذا القول ينطبق حرفياً على التجار، هم لم يتغيروا من الأفضل إلى الأسوأ كما يعتقد، وإنما ما نعيشه من شدائد هذه الأيام هي من كشفت معدنهم الحقيقي، فمنهم من يحترم بالأساس أدبيات كاره "وهم قلة تصل إلى حد الندرة".. والسواد الأعظم منهم بدا وكأنه منحرفاً عن هذه الأدبيات، في حين أنه كذلك بالأصل.!.
ما سبق يوصلنا إلى نتيجة مفادها: إن مفهوم الشطارة في الوضع الراهن لم ينحرف عن جوهره الأصلي، لكن ما حصل أن ما يعصف بالاقتصاد السوري من أزمات، أعطى انطباعاً بأن ثمة شيوخ كار جدد "نسميهم مجازاً بهذا الاسم" قد اتخذوا مسارا جديدا لهم، ولم يرثوا أصول مهنة الأجداد على أصولها، معتمدين المعنى الأجوف للكلمة الذي لم يتعد حدود جمع أكبر قدر ممكن من المال بغض النظر عن أي أسلوب أو طريقة يبررها محبي الثروة ولو كانت على حساب المستهلك الذي يعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة العملية التجارية ككل.!.
يبين صناعي نسيج وتجار ألبسة لـ"صاحبة الجلالة" أن معظم التجار يتهافتون على الاستيراد، وخاصة المواد الغذائية، مقابل النأي شبه التام عن التصدير الذي على ما يبدو قد خرج من قاموس معظم التجار لاعتبارات لها علاقة بضغط التكاليف وتوفير الجهد والعناء، لدرجة أن أغلب تجارنا تحولوا–حسب الصناعي- إلى وكلاء اكتفوا باقتناء فاكسات يراسلون عن طريقها الشركات المتعاملين معها في الخارج لتقوم الأخيرة بناءً على مضمون الفاكس بإرسال الطلبيات إلى المرفأ، وعندها يأتي "شيوخ الكار الجدد" لاستلامها وتوزيعها على الأسواق المحلية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السفر أو حتى معاينة البضاعة في بلد المنشأ، ما حدا بالبعض إلى تسميتهم بـ(تجار المراسلة)..!.
نعتقد أن هذه الفترة بالذات بمنزلة امتحان حقيقي لمعدن المصدرين الفعليين من التجار، فمع توارد الأنباء حول تراجع صناعة الألبسة إلى أدنى مستوياتها، تطرح أسئلة غاية من الأهمية مفاده: لماذا لا يتم تصدير الألبسة في وقت تشهد فيه السوق المحلية حالة من الركود بسبب تدني القوة الشرائية.؟
ألا يجدر بمن اتخذتهم الحكومة شركاءً لها صب اهتمامهم على إنقاذ هذه الصناعة من خلال تصدير منتجاتها وبذلك يتم ضمان استمرارها، وتحقيق إيرادات من القطع الأجنبي.؟
ولم يخف مصدرنا أن بعض معارض الألبسة لا تخرج أحياناً عن نفوذ بعض رجال الأعمال، وأن السنوات الماضية شهدت معارض عدة متتالية لا يفصل بين معرض وآخر سوى يومين، في ظاهرة تشي بإثبات الذات ممن وراء إقامة هذه المعارض.!
وبين المصدر أن هناك حالة ركود حادة تسود سوق الألبسة، وأن حركة المبيع تراجعت بشكل رهيب، لافتاً إلى أن نسبة المبيع الداخلي انخفضت إلى نحو 2% بسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق، بالتوازي مع تذبذب سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، كما تراجعت نسبة المبيع الخارجي إلى 1% وبالتالي باتت شبه معدومة، وخاصة بعد أن توقف ما نسبته 80% من الطلبات الخارجية خلال أزمة كو.ر.و.نا وإلغاء الطلبات المحجوزة سابقاً..!.
إذاً أمام هذا العرض المقتضب للواقع التجاري.. بات لزاماً إعادة النظر بمفهوم التاجر السوري، لاسيما في ظل تحول أغلب صناعيينا إلى تجار، ناهيك عن أن تصدير المنتجات السورية خاصة إلى دول الجوار ينشط في كثير من الأحيان طردا مع نشاط التجار غير السوريين لاسيما الذين يشجنون بين الفينة والأخرى البضائع السورية إلى بلدانهم.. ولعلّ إعادة النظر بمفهوم التاجر والوقوف بدقة على ماهيته ولاسيما لجهة الالتزام بأدبيات الكار من تحقيق هوامش ربح منطقية في حال الاستيراد، وعدم الاحتكار، وضمان انسياب السلع للجميع في أوقات الشح والأزمات، إلى جانب تعزيز الصادرات وخاصة في حال الألبسة.. كل هذا يساعد الحكومة على معرفة مع من تتعامل من شركائها.!.