مع تسارع الغلاء.. تغيير نمط الاستهلاك العائلي بات ضرورة ملحة
يحتاج الواقع الاقتصادي في هذه الأيام إلى إعادة قراءة تفاصيله الحياتية بشكل أعمق، وبأسلوب أكثر تفاعلية وقدرة على التجاوب السريع مع المتغيّرات المعيشية، وخاصة مع تتالي الأزمات التي كرّستها الحرب وظروف الحصار الاقتصادي الذي تشتد تداعياته، مع الإمعان في ملاحقة لقمة عيش الموطن ومحاصرة سبل عيشه واحتياجاته من قبل الدول التي تحاول بشتى السبل التأثير في المواقف الوطنية والقومية حيال العديد من القضايا والملفات.
ومع اشتداد قوة الحصار، يرى العديد من الباحثين الاقتصاديين أنه لا بدّ من الانتباه إلى أن انتظار الحلول الحكومية والاتكال الكليّ على إمكانياتها، وما تقدمه للمواطن، يشكّل في هذه الأيام الصعبة انتكاسة حقيقية للجهود التي تُبذل للخروج من أزمة الواقع المعاشي الحالي، واستنفاداً حقيقياً للفرص واستنزافاً سريعاً للإمكانيات التي تفرض بواقعها الحالي ضرورة اتباع إستراتيجية استثمارية تستفيد وتجنّد كلّ ما هو متاح في معركة الصمود ومواجهة التحديات التي تحتاج إلى تكثيف الجهود والتعامل مع الحياة بمسؤولية، وبأسلوب اقتصادي جديد يحتال من خلاله على الظروف الصعبة.
الدكتور مضر الأحمد يؤكد أنه بات علينا التدقيق أكثر في تفاصيل يومياتنا، وتوجيه البوصلة الحياتية المعيشية بشكل عقلاني نحو قراءة المستجدات والحياة بشكل آخر، واتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية التي تدور في فلك الاقتصاد المنزلي بكل أدواته وطرقه ابتداءً من العمل على تحويل منازلنا إلى منشآت إنتاجية صغيرة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مراحلها الأولى، سواء الزراعي منها أو الصناعي الخدمي، وذلك ضمن منظومة معيشية تعتمد على العمل الأسري الجماعي الذي يشكّل اليوم مصدراً مهمّاً للدخل وتحسين الظروف، وهذا يشكل الهدف الرئيسي لإستراتيجية المشاريع الصغيرة التي يُقدّمُ لها اليوم دعمٌ لا يُستهان به وخاصة لجهة الإقراض وتقديم كافة التسهيلات.
منير سيف، باحث اجتماعي، يؤكد أن موضوع الاستهلاك يشكل نقطة تحول في الظروف الحالية، ويجب أن يكون هناك تغيير في النمط الاستهلاكي، وخاصة الاستهلاك العائلي الذي يمثل كلّ ما تستهلكه العائلة، بغرض تحقيق الاستفادة وإشباع الحاجات والرغبات، ويجب أن يكون هذا الاستهلاك واعياً ويواكب مقدرة الفرد على حسن استخدام واستغلال الموارد المتاحة، سواء أكانت مرتبطة باللوازم اليومية من مصروفات الأطعمة والملابس، أو اللوازم اليومية التي تعكس حاجات الحياة الأساسية، وهناك مصروفات في ناحية المواصلات والاتصالات والعلاج الطبي والصحي والثقافة والتسلية، وهي حاجيات التنمية والراحة والرفاهية، وقد ارتفعت سريعاً في الآونة الأخيرة. وهكذا فإن للاستهلاك علاقة وطيدة بالجانب القيمي والعقائدي في حياة تلك المجتمعات، وهو أحياناً داء وفي أحيان أخرى دواء!.
البعث